الاثنين، 15 أبريل 2019

رمضان شهر القرآن  ثمة علاقة وطيدة ورباط متين بين القرآن وشهر الصيام، تلك العلاقة التي يشعر بها كل مسلم في قرارة نفسه مع أول يوم من أيام هذا الشهر الكريم، فيُقْبِل على كتاب ربه يقرأه بشغف بالغ، فيتدبر آياته ويتأمل قصصه وأخباره وأحكامه، وتمتلئ المساجد بالمصلين والتالين، وتدوي في المآذن آيات الكتاب المبين، معلنة للكون أن هذا الشهر هو شهر القرآن، قال جل وعلا: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:185)، قال الحافظ ابن كثير: "وكان ذلك -أي إنزال القرآن- في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وقال سبحانه :{إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، ثم نزل بعده مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وكان جبريل عليه السلام يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيدارسه القرآن كل ليلة في رمضان -كما في "الصحيحين"-، وكان يعارضه القرآن في كل عام مرة، وفي العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه جبريل القرآن مرتين.  وكان للسلف رحمهم الله اهتمام خاص بالقرآن في هذا الشهر الكريم، فكانوا يخصصون جزءاً كبيراً من أوقاتهم لقراءته، وربما تركوا مدارسة العلم من أجل أن يتفرغوا له، فكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للإمام الشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقْبِل على قراءة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.  ومما ينبغي أن يُعْلَم أن ختم القرآن ليس مقصوداً لذاته، وأن الله عز وجل إنما أنزل هذا القرآن للتدبر والعمل، لا لمجرد تلاوته والقلب غافل لاه، قال سبحانه: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} (ص:29)، وقال: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد:24)، وقد وصف الله في كتابه أمماً سابقة بأنهم {أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} (البقرة:78)، وهذه (الأمية) هي أمية عقل وفهم، وأمية تدبر وعمل، لا أمية قراءة وكتابة، و(الأماني) هي التلاوة -كما قال المفسرون- بمعنى أنهم يرددون كتابهم من غير فقه ولا عمل.  وأكد نبينا صلى الله عليه وسلم هذا المعنى حين حدَّث أصحابه يوماً فقال: (هذا أوان يُختلس العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء) فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يُختلس منا، وقد قرأنا القرآن؟! فوالله لنقرأنه، ولنُقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال: (ثكلتك أمك يا زياد! إن كنتُ لأعدُّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تغني عنهم) رواه الترمذي.  إذن، فختم القرآن ليس مقصوداً لذاته، وليس القصد من تلاوته هذَّه كهذَّ الشِّعر، دون تدبر ولا خشوع ولا ترقيق للقلب ووقوف عند المعاني، ليصبح همُّ الواحد منا الوصول إلى آخر السورة، أو آخر الجزء، أو آخر المصحف، ومن الخطأ أيضاً أن يحمل أحدنا الحماس -عندما يسمع الآثار عن السلف التي تبين اجتهادهم في تلاوة القرآن وختمه- فيقرأ القرآن من غير تمعن، ولا تدبر، ولا مراعاة لأحكام التجويد، أو مخارج الحروف الصحيحة، حرصاً منه على زيادة عدد الختمات، وكون العبد يقرأ بعضاً من القرآن جزءاً أو حزباً أو سورة بتدبر وتفكر خير له من أن يختم القرآن كله من دون أن يعي منه شيئاً، وقد جاء رجل لابن مسعود رضي الله عنه، فقال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال ابن مسعود: "أهذّاً كهذِّ الشِّعر؟! إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع"، وكان يقول: "إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا! فأصغ لها سمعك، فإنه خير تُؤْمَر به، أو شر تُصْرَف عنه"، وقال الحسن: "أنزل القرآن ليُعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملاً".  فاحرص -أخي الصائم- على تلاوة القرآن في هذا الشهر بتدبر وحضور قلب، واجعل لك ورداً يوميًّا لا تفرط فيه، ولو رتبت لنفسك قراءة جزأين أو ثلاثة بعد كل صلاة لحصَّلت خيراً عظيماً، ولا تنس أن تجعل لبيتك وأهلك وأولادك نصيباً من ذلك. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.


المناسبات الجميلة والسعيدة دائماً لها ذكرى مع شهر رمضان الفضيل الذي تتسامح فيه القلوب وتسمو فيه النفوس ويصبح مناسبة للتواصل بين الناس وغفران زلات الماضي والاعتذار عن بعض التصرفات التي أخذتنا بعيداً عن أحبتنا، ودائماً ما يستغل الناس شهر الخير لترميم العلاقات الفاترة ليصبح فيه الوصل مناسبة غالية تتجدد مع عودة رمضان من جديد.  وتتذكر "أم عبدالله" ليلة عودتها إلى بيتها وأبنائها الثلاثة في شهر رمضان الماضي بعد خلاف مع زوجها دام لأكثر من ستة أشهر كانت علاقتهم تتجه فيها إلى الطلاق رغم كل المحاولات من أهل الطرفين، ولكن عندما رأت أبناءها ووالدهم يجلسون في السيارة المكدسة بمقاضي رمضان ويقفون عند بيت جدهم بالإضافة لبعض الزينة التي يشتهر بها شهر رمضان من فوانيس وقطعة من الأقمشة كانت تتزين فيها السيارة خرجت إليهم مسرعة وهي تحتضنهم، وذهبوا إلى بيتهم وتناولوا وجبة السحور في جو أسري جميل وتضيف قائلة: إن الخير في شهر رمضان يطال كل ألوان التواصل والتراحم والعطاء وحتى الصلح الذي يكون له طعم وقبول بين المتخاصمين مهما كانت حدة الخلافات بين الناس.  وتصف حنين الغامدي موقفاً حدث لزوجها عندما تصالح مع ابن خالته خلال إفطارهم سوياً في مسجد الحي الذي يسكنون فيه إثر مشكلة مالية حدثت عجز معها الأصدقاء والأقارب في التقريب بين وجهتي النظر بينهما مضيفة خلال عودة زوجي للبيت قرر قبول دعوة إمام المسجد لتناول الفطور مع جيران الحي وتصادف جلوس زوجي وابن خالته بجانب بعض على السفرة لتناول وجبة الفطور وتبادلا تقديم حبات التمر واللبن وقطع السمبوسة القريبة من أحدهما للآخر مع عبارات الشكر والثناء مما كان له الأثر الكبير في إذابة الجليد المتراكم من سنوات بينهما وما إن تصافحا بدون تدخل من أحد إلا وقام جميع سكان الحي بتهنئتهم والسلام عليهم.  وتضيف حنين.. هذا رمضان وخيراته التي تتسلل للقلوب فتغسله من ترسبات المشاحنات ولا تجعل للشيطان طريقاً.  وخلال عقد قران الأنسة غفران الغامدي ليلة السابع والعشرين من رمضان الماضي تجمع أقارب العروسين في منزل العروس وكان الجميع يترقب حضور أخوها التوأم غانم الذي ترك بيت أسرته بسبب خلاف بينه وبين والده ولم يعد لأكثر من ستة أشهر كان يتواصل أثناءها مع والدته التي كانت تنصحه بالعودة والاعتذار لوالده الذي كان يحاول منعه من أمر ما قد يتسبب في ضياع مستقبله ولكن طيش الشباب والجهل كان وراء قرار الابن، وتضيف أم غانم: طلبت منه حضور عقد القران وأوضحت أهمية وجوده في مثل هذه المناسبة خاصة أن أخته التوأم كانت قلقة من غيابه كثيراً ولا أخفي عليكم كان الشك يساورني في عدم حضوره إلى أن رأيته يدخل مع والده يداً بيد وعانقني وعانق أخته وخرج مسرعاً ليكون في استقبال العريس وأهله ومرت الليلة الفضيلة لمناسبة غالية واجتمعت الأسرة من جديد.




 
         🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙 رمضان مبارك 🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙

هناك تعليق واحد:

استعنت بالله

الْحٍمَدٍ للـّہ

‏عيش الحياة بصدق لو كلها كذب الرابح اللي راحته في ضميره .